فصل: مسألة المرأة تأمر وليها يزوجها ويشترط لها فيزوجها ولا يشترط لها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يتزوج امرأة وبها برص أو جذام ويدخل بها ويقيم معها ثم يتبين مرضها:

من سماع من سماع سحنون بن سعيد من عبد الرحمن بن القاسم. قال سحنون: وسألت عبد الرحمن بن القاسم عن الزوج يتزوج امرأة وبها برص أو جذام أو جنون، ويدخل بها ويقيم معها، ثم يتبين ذلك فيردها بذلك العيب أو يطلقها. أيحلها هذا الوطء لزوج كان قد طلقها أو يكونا به محصنين؟ قال: لا إلا أن يكون قد علم بوطئها بعد علمه ثم طلقها، فإما أن يردها أو يطلقها ولم يطأها بعد العلم والرضى، فلا أرى ذلك يحلها، ولا يحصنها ولا تحصنه، وكذلك الذي يطأ امرأته في صيام واجب من رمضان أو نذرا أو حائض، أو محرمة أو معتكف ووقف في صيام تطوع، ثم قال مالك: لا يحلها ولا يحصنها ولا تحصنه، إلا كل وطء عقدته صحيحة، ليس لأحد فيها خيار ولا فساد، ووطء صحيح ليس بمحرم ولا صائم، ولا حائض، ولا كل ما كان مثل هذا وما أشبهه.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أن الوطء بالعقد الفاسد لا يقع به تحليل ولا إحصان إذا فسخ، وعلى أن الوطء بالعقد الذي فيه خيار لأحد الزوجين أو لغيرهما لا يقع به تحليل ولا إحصان إذا رده من إليه رده. واختلفوا إذا أجازه على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يقع به التحليل والإحصان، وهو قول أشهب في كتاب ابن المواز، والثاني لا يقع به التحليل ولا إحصان حتى يطأ بعد الإجازة، وهو المشهور المعلوم في المذهب. والثالث أنه لا يقع به تحليل ولا إحصان أصلا حتى يطلق ثم يستأنف عقد آخر، لا خيار فيه، وهذا ما يأتي على قول رواية ربيعة في المدونة ومذهب الأوزاعي أن العبدين الزوجين إذا أعتقا لا يكونان محصنين بذلك العقد الذي كان في حال الرق، واختلفوا إذا كان العقد صحيحا والوطء فاسدا على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا يقع بذلك تحليل ولا إحصان، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك. والثاني أنه يقع بذلك التحليل والإحصان. وهو مذهب ابن الماجشون واختيار ابن حبيب. والثالث أنه يقع به الإحصان، ولا يكون به التحليل، وهو قول المغيرة وابن دينار، وقد قاله مالك، ثم رجع عنه، والوطء الفاسد الذي اختلف في وقوع التحصين والإحلال به هذا الاختلاف الذي ذكرناه هو أن يطأ في حال الحيض أو الإحرام، أو الاعتكاف، أو في صيام واجب من رمضان، أو نذر لأيام بأعيانها، أو كفارة يمين، واختلف في صيام التطوع وقضاء رمضان والنذر لأيام ليست بأعيانها، فقيل إن حكم الوطء في ذلك كله حكم الوطء الصحيح، قاله ابن حبيب في الواضحة، وحكى أنه مجمع عليه من قول مالك وأصحابه، وليس بصحيح، وقيل إن حكم الوطء في ذلك كله حكم الفاسد. وهو ظاهر قول مالك الذي رجع إليه في رواية سحنون هذه. وقيل إن حكم الوطء في ذلك حكم الوطء الفاسد حاشا صيام التطوع. وهو قول مالك الأول في هذه الرواية، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة المجنونة المخبلة يزوجها أبوها:

قال ابن القاسم: في المجنونة المخبلة يزوجها أبوها ويجوز ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: لأن البكر لا أمر لها في نفسها مع أبيها. فإذا كان له أن يزوجها في حال الصغر، ويجوز ذلك عليها، كان له أن يزوجها في حال الجنون، ويجوز ذلك عليها.

.مسألة الأمة تغر من نفسها فتتزوج فيصدقها ويدخل بها ثم يستحقها سيدها:

وقال ابن القاسم في الأمة تغر من نفسها فتتزوج فيصدقها مثلي صداق مثلها، فيدخل بها ثم يستحقها سيدها، إن النكاح يفسخ، ويكون لها صداق مثلها، ويؤخذ منها الفضل.
قلت: فإن أصدقها أدنى من صداق مثلها أو أصدقها ربع دينار وقد كانت بكرا فأقبضها وقيمة عذرتها أكثر مما أصدقها؟ قال: فليس لها أكثر من ذلك، إلا أن يصدقها أقل من ربع دينار، أو لا يصدقها شيئا فترجع إلى صداق مثلها. قال سحنون: وقال غيره مثل هذا إلا أنه قال: إذا أصدقها مثلي صداق مثلها أعطيت ما بين صداق أمة وحرة، نصف صداق أمة ونصف صداق حرة.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه إن كان أصدقها أكثر من صداق كمثلها، كان لها صداق مثلها، وأخذ منها الفضل، هو نص قول ابن القاسم في المدونة، وعليه ينبغي أن يحمل قول مالك فيها، وإن كان ظاهره خلاف ذلك إذ لا يصح أن يترك لها الزائد على صداق مثلها، وهي غارة، وقد كان القياس إذا لم يراع حق السيد في ذلك، وقال إنه إذا أصدقها أدنى من صداق مثلها، وقيمة عذرتها أكثر من ذلك، لم يكن لها إلا ذلك. قال أشهب: كما لو زنى بها طائعة إلا أن يكون لها إلا قدر ما يستحل به فرجها، كالحرة إذا غرت نفسها بجنون أو جذام أو برص. وهو قول ابن أبي حازم. وإنما يستقيم أن يكون لها مما أصدقها صداق مثلها على ما لابن القاسم في كتاب ابن المواز من أنه إذا أصدقها أقل من صداق مثلها، كان لها صداق مثلها، من أجل حق السيد، ومساواته بين أن لا يصدقها شيئا أو يصدقها أقل من ربع دينار في أنها ترجع إلى صداق مثلها، يدل على أن النكاح بأقل من ربع دينار نكاح فاسد، يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، ويكون فيه صداق المثل، لا خيار للزوج في ذلك، خلاف قوله في المدونة مثل قول غيره فيها. وقد قيل: إنه يفسخ قبل الدخول وبعده وقع ذلك في بعض روايات المدونة.

.مسألة الرجل يقول للرجل تزوج ابنتي ولك هذه الدار:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول للرجل: تزوج ابنتي ولك هذه الدار، فتزوجها، قال: أراه جائزا دخل أو لم يدخل.
قلت: فإن قال له تزوجها واجعلها صداقها؟ قال: ذلك جائز.
قلت: من أي وجه جوزته؟ قال: إنما هو عندي بمنزلة ما لو قال رجل لرجل: تزوج وأنا أعينك بدار أو بخادم. فإن تزوج كان ذلك له، وإن لم يتزوج لم يكن له شيء. وقوله: على أن يتزوج، فضل.
قلت: فإن قال: تزوج ابنتي بخمسين دينارا وأنا أعطيك هذه الدار، قال: لا خير فيه؛ لأنه من وجه نكاح وبيع.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا قال: تزوج ابنتي ولك هذه الدار، إن ذلك جائز، إذ لم يعطه الدار على صداق مسمى، فيكون ذلك بيعا قد اقترن مع النكاح. ويقوم من هذه المسألة معنى خفي صحيح، وهو أن البيع والنكاح يجوز أن يجتمعا في صفقة واحدة، إذا كان نكاح تفويض لم يُسمَّ به صداق، مثل أن يقول: أزوجك ابنتي نكاح تفويض، على أن أبيع منك داري بكذا وكذا، وقد مضى في حكم البيع والنكاح إذا سمّى به صداق في صفقة واحدة في رسم أوصى أن ينفق على أمهات أولاده من سماع عيسى، فلا وجه لإعادته هنا وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة تأمر وليها يزوجها ويشترط لها فيزوجها ولا يشترط لها:

وسئل عن المرأة تأمر وليها يزوجها ويشترط لها، فيزوجها ولا يشترط لها، فيدخل بها زوجها، فتعلم أنه لم يشترط لها، فالنكاح جائز، والشرط باطل.
قلت: فإن لم يدخل بها؟ قال: يقال للمرأة ترضى بغير شرط، فإن قالت: لا، قيل للزوج: اشترط لها وهي امرأتك، وإن أبت لم يلزمها شيء، وفارقها.
قلت: وتأمره أن يشترط لها، قال: نعم، آمره. واحتج بالليث وشروطه لابنته.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها إذا لم تعلم أن الولي لم يشترط لها الشروط التي أمرته أن يزوجها عليها، إلا بعد دخوله بها، إن النكاح جائز، والشرط باطل، صحيح، على معنى ما في المدونة في الذي يأمر الرجل أن يزوجه بألف، فيزوجه بألفين، ويزعم أن الزوج أمره بذلك، ويدخل بها، إنه ليس لها إلا ما أقر به الزوج؛ لأنها تركت أن تبين من حقها، فكذلك هذه لا شيء لها فيما أمرت به وليها من الشروط؛ لأنها فرطت في حقها، إذ تركته يدخل قبل أن تبين ما أنكحها عليه من الشروط، وفي قوله: إنه يقال لها: إن لم تدخل ترضى بغير شرط، فإن قالت: لا. قيل إلى آخر قوله، دليل على أنها إن قالت: نعم، جاز النكاح وثبت، ولم يفرق بين قرب ولا بعد. فظاهره خلاف ما مضى في أول سماع يحيى. وقد مضى القول على ذلك هنالك. وقوله: إنها إذا قالت: لا، يقال للزوج: اشترط لها وهي امرأتك، معناه إن رضيت بذلك عند اشتراطه لها الشروط، ولا يلزمها رضاها بها أولا. وذلك بيّن من قوله: وإن أبت لم يلزمها شيء وفارقها. وقد بينا وجه ذلك في أول مسألة من سماع يحيى، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة البكر تعطي الرجل مائة دينار على أن يتزوجها فيتزوجها:

وسئل ابن القاسم عن البكر تعطي الرجل مائة دينار على أن يتزوجها فيتزوجها، ثم يعلم الأب قبل الدخول أن النكاح ثابت، ويرد الزوج المائة التي أخذ، ويغرم مائة أخرى، وهو مثل البيع، سواء في العبد الذي يُعطى مالا يشتري به ولا يفسخ العقد، دخل أو لم يدخل.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها مستوفى في أول رسم من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة مكاتب تزوج حرة فكانت معه سنين ثم ادعت أنه غرها من نفسه:

قال: وسئل ابن القاسم عن مكاتب تزوج حرة فكانت معه سنين، ثم ادعت أنه غرها من نفسه، وزعمت أنها لم تعلم حين نكحته أنه مكاتب، قال ابن القاسم: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنها لم تعلم، ويكون لها الخيار، ومن العبيد عبيد يكون أحدهم في حاله وتجارته ومنظره حال الحر، وهي امرأة في خدرها لا تعلم بذلك، فالقول قولها حتى يعلم أنها قد علمت.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن المكاتب ليس بكفؤ للحرة، فهو محمول على أنه غرها، فالقول قولها مع يمينها أنها لا تعلم إن ادعى عليها أنها علمت باتفاق، ويفرق بينهما، ويكون لها الصداق المسمى بالمسيس. وهذه المسألة أقوى في إيجاب اليمين من الذي يقوم بعيب في سلعة اشتراها، فيريد البائع أن يحلفه ما علم بالعيب، ولم يدع أنه أعلمه به، فلا يدخل في هذه من الاختلاف ما دخل في تلك، وأما إن لم يدعي عليها أنها علمت، وأراد أن يحلفها دون أن يحقق عليه الدعوى، فيجري الأمر في ذلك على الاختلاف في لحوق يمين التهمة. وأما إن ادعى عليها أنه أعلمها أنه مكاتب، فتحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما أعلمها بذلك. وقال ابن كنانة: إن كان تزوجها ببلده الذي يعرف به، وأمر كتابته فيه ظاهر معروف، فلا يقبل قولها إنها لم تعلم ذلك، وإنما يقبل قولها وتصدق إذا تزوجها بغير بلده.
قال محمد بن رشد: ولو كانت مكاتبة أو أمة فادعت أنها لم تعلم أنه مكاتب وأنها تزوجته وهي تظنه حرا لم يكن لها شيء إلا أن تدعي عليه أنه غرها وأخبرها أنه حر، فتزوجته على ذلك فيحلف على ذلك، فإن نكل عن اليمين حلفت هي، وكان لها الخيار، وبالله التوفيق.

.مسألة يتزوج المرأة على مائة دينار فتأخذ منه حميلا بخمسين فيطلقها قبل أن يدخل بها:

قال ابن القاسم: في الرجل يتزوج المرأة على مائة دينار فتأخذ منه حميلا بخمسين، فيطلقها قبل أن يدخل بها. قال: ترجع على الحميل بخمس وعشرين دينارا، وعلى الزوج بخمسة وعشرين دينارا، وإنما هو بمنزلة رجل زوج ابنا له كبيرا أو رجلا أجنبيا، بمائة دينار، على أن ضمن عنه من الصداق خمسين، والخمسون الأخرى على الزوج، وطلق الزوج قبل أن يدخل بها، فإنما يتبع الأب بخمسة وعشرين دينارا، ويتبع الابن بخمسة وعشرين دينارا، ولا يكون غرم ذلك على واحد منهما خاصة، إلا أن تحب المرأة أن تأخذ الزوج بالخمسين، وتدع الحميل، فيكون ذلك لها؛ لأن الحميل يتبع بها الزوج إن غرم، والأب في ابنه أو أجنبي، لا يتبع بشيء منها، فأما اتباع المرأة فهو أبينها والذي وصفت لك والبيع مثله. ألا ترى لو أن رجلا باع سلعة من رجل بمائة دينار، وانتقد منه مائة دينار، على أن يأخذ منه المشتري حميلا بخمسين، فأدرك السلعة رجل استحق منها نصفها، وتماسك بنصفها، ولم يتبع الحميل إلا بنصف الخمسين. فإن قال: إنما أخذت خوفا من أن يُستحق منها شيء فاتبع به الحميل فليس كما قيل، واتبع كل واحد منهما بنصف الحق.
قال محمد بن رشد: قوله: والأب في ابنه أو أجنبي لا يتبع بشيء منها، نص جلي على أن ضمان الصداق في عقد النكاح على الابن أو عن الأجنبي محمول على الحمل حتى يتبين أنه أراد الحمالة، وسيأتي بعد هذا مثل هذا. وقد مضى الكلام على هذا في رسم الكبش من سماع يحيى.
وقوله في الذي تحمل للمرأة بخمسين دينارا من صداقها وهو مائة، فطلق الزوج قبل الدخول: إن الحميل لا يلزمه إلا خمسة وعشرون، نصف الخمسين التي تحمل بها، صحيح في القياس والنظر؛ لأن الخمسين التي تحمل بها شائعة في جميع الصداق، فلما سقط بالطلاق نصفه سقط نصف الخمسين التي تحمل بها الحميل، ومثله في رسم باع شاة من سماع عيسى من كتاب الحمالة، وفي سماع أصبغ من كتاب المديان. وأصبغ يقول: إن لها أن تأخذ الحميل بالخمسين الواجبة لها قبل الزوج، وهو قول ابن الماجشون، وابن كنانة. ووجهه أنها تقول: إنما أخذته وثيقة من حقي مخافة أن تطلقني وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يفض البكر بيده:

وقال ابن القاسم في الرجل يفض البكر بيده، قال: عليه ما شَانَها به بعد الأدب. قال سحنون: وكذلك قال ابن وهب. قيل لابن القاسم: فإن كانت امرأته؟ قال: فلا شيء عليه، ولا يجب بذلك عليه صداق.
قال محمد بن رشد: أما إذا فعل ذلك بغير زوجته، فلا اختلاف أن عليه ما شانها به، يريد ما شانها به عند الأزواج مع الأدب. وأما إذا فعل ذلك بزوجته فقال: ها هنا لا شيء عليه. معناه أنه ليس عليه أدب ولا ما شانها به إن أمسكها ولم يطلقها، ولا يجب عليه بذلك جميع صداقها إن طلقها قبل أن يمسها، يريد ويكون عليه إن فعل ذلك ما شانها فعله عند غيره من الأزواج. وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم: إن ذلك من الزوج كالوطء يجب عليه به جميع الصداق. وقال أصبغ: القياس أنه وغيره بالأصبع سواء في أنه يجب عليه بذلك إن طلقها قبل أن يمسها ما شانها عند غيره من الأزواج لا في وجوب الأدب عليه، فقول أصبغ في سماعه مثل قول ابن القاسم ها هنا وبالله التوفيق.

.مسألة خالعت المرأة زوجها على مال أعطته وهي عالمة بأن النكاح فاسد:

وقال ابن القاسم في النكاح الفاسد إذا خالعت المرأة زوجها على مالٍ أعطته إن كانت عالمة بأن النكاح فاسد فذلك جائز للزوج، وإن لم يعلم رجعت به على الزوج؛ لأنها إذا علمت فإنما هي تركت له شيئا أو أعطته إياه ولم يلزمها.
قلت: فإن أعطته شقصا في دار، هل لشفيع فيه شفعة إذا كانت عالمة بفساد النكاح؟ قال: نعم من قبل أن الناس اختلفوا في ذلك النكاح، فمن ثمّ رأيت الشفعة فيه؛ لأنه ليس من ناحية الهبة.
قلت: فإن استحق بعض ما أعطته من مال، أيرجع عليها بشيء؟ قال: لا، من قبل أنه لم يكن ينبغي له أن يأخذ منها شيئا، فهو إذا استحق فليس له أن يرجع بشيء؛ لأنه قد صار إلى ما كان يؤمر به.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم: أن الخلع تابع للطلاق بحيث ما لزم الطلاق ثبت الخلع، ولم يكن للمرأة فيه رجوع، وحيث ما لم يلزم الطلاق لم يثبت الخلع، وكان للمرأة أن ترجع فيما أعطت إلا أن تكون عالمة بفساد النكاح، وأن الواجب فيه الفسخ. هذا بين من مذهبه في المدونة، فجوابه في هذه المسألة على القول بأن الطلاق لا يلزم في النكاح الفاسد الذي يختلف في فساده، ويجب عنده فيه الفسخ، وهو خلاف ما اختاره في المدونة لرواية بلغته عن مالك من أن الطلاق يلزم في كل نكاح يختلف في فساده. فعلى ما اختاره فيها يثبت الخلع ولا يكون لها فيه رجوع، وإن لم تعلم بفساد النكاح، ولذلك رأى الشفعة في الشخص الذي خالعت به. ويلزم على قياس هذا القول أن يكون للزوج الرجوع عليها في الاستحقاق. ومذهب ابن الماجشون أن الخلع لا يلزم في النكاح الذي يجب فسخه لفساده، ولا في النكاح الذي تملك المرأة فيه الفُرقة فيه إذا لم تعلم بذلك، وثبتت فيما سوى ذلك مما يكون الخيار فيه لغيرها. وذهب ابن المواز إلى أنه لا يرد إلا فيما يجب فسخه، ولا خيار فيه في إمضائه لأحد، فاعلم أنها ثلاثة أقوال وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يتزوج المرأة ثم يجن قبل أن يدخل:

قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يتزوج المرأة ثم يجن قبل أن يدخل، فتختار فراقه، فيفرق بينهما. قال: قال مالك: لا شيء لها من المهر.
قلت: فالرجل يعسر بالصداق أو بالنفقة فيفرق بينهما؟ قال: تتبعه بنصف الصداق.
قال محمد بن رشد: الفرق عند ابن القاسم بين المسألتين أن الله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]. والذي يجن فتختار امرأته فراقه لم يكن منه طلاق، ولكن الفراق من قبلها. والذي يعسر بالصداق أو بالنفقة، يحتمل أن يكون الفراق من قبله؛ لأنه يُتهم على أنه أراد الطلاق، فأخفى ماله لتطلق المرأة نفسها، فلا يكون عليه شيء من الصداق. وابن نافع لا يرى لها شيئا من الصداق كمن جن فطلق عليه قبل البناء؛ لأن الفراق جاء من قبلها وهو القياس. وسكت ها هنا عن ضرب الأجل للمجنون قبل البناء، ويبينه ما في سماع يحيى من طلاق السنة أن مالكا قال: يضرب له أجل سنة، وإن كان قبل البناء، وكذلك يفرق بينهما. وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يفقد قبل دخوله بأهله فيفرق بينهما بعد الاستقضاء:

قلت: فالرجل يُفْقَد قبل دخوله بأهله، فيفرق بينهما بعد الاستقضاء، وتُعطى صداقها كاملا ثم تتزوج، فيأتي زوجها. قال: يرجع عليها بنصف صداقها. وفي رواية أبي محمد عيسى بن دينار، لا يرجع عليها بشيء ولها الصداق كاملا؛ لأنها انتظرته وضيق عليها واعتدت منه ومنعها النكاح، فلا ترد عليه شيئا.
قال محمد بن رشد: القولان لمالك في سماع عيسى من كتاب الكفالة، وفي سماع عيسى من طلاق السنة لمالك من رواية أبي محمد عيسى، وفي سماع سحنون خلافه. وقوله: فيأتي زوجها أو يعلم أنه مات بعد أن تزوجت ودخل بها الزوج باتفاق، أو بعد أن تزوجت قبل أن يدخل بها الزوج على القول بأنها تفوت بالعقد، ولا يكون له إليها سبيل إن جاء؛ لأن الطلاق يقع عليه بذلك. وقد قيل: إنه لا يقضى لها بشيء من الصداق حتى يأتي وقت لو قدم الأول لم يكن له إليها سبيل، وهو أن يتزوج ويدخل بها الزوج أو لا يدخل على اختلاف قول مالك في ذلك في المدونة، فيقضى لها حينئذ بنصف صداقها، إلا أن ينكشف أنه مات قبل ذلك، أو يبلغ من السنين ما لا يحيا لمثلها، فيقضى لها بجميعه وإن كانت قد تزوجت، وهو قول ابن الماجشون. وقيل: إنه لا يقضى لها إلا بنصفه، فإن بلغ من السنين ما لا يحيا لمثلها أو ثبت وفاته ما بينه وبين أن تبين منه بالدخول أو التزويج على الاختلاف المعلوم، قُضي لها ببقيته. حكى هذا القول ابن سحنون وابن الجلاب والله الموفق لا رب غيره.

.مسألة الرجل يزوج ابنه ويضمن عنه الصداق:

قال سحنون: قلت: فالرجل يزوج ابنه ويضمن عنه الصداق ثم يعدم الأب؟ قال: يقال للابن: جئ بالصداق. فإن أبا طلقت عليه، واتبعت المرأة الأب بنصف الصداق.
قلت: فإن أعطى الابن الصداق ودخل ثم أيسر الأب، أيرجع على أبيه بما أدى؟ قال: نعم. وهو القياس أن يرجع به عليه.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يرجع على أبيه بما أدى نص جلي على أنه حمل ضمانه عنه الصداق على الحمل، وذلك مثل ما تقدم فوق هذا. وقد مضى القول عليه في أول رسم من سماع يحيى. لا يختلف في وجوب الرجوع له على أبيه على القول بأن الضمان في ذلك حمل ولا حمالة، وإن كان قد اختلف في التي تصالح زوجها على مؤونة حملها أو رضاعه ونفقته إلى فطامته، فتحتاج ولا تجد ما تنفق، فينفق الأب، هل له أن يتبعها أم لا؟ ففي رسم البز من سماع ابن القاسم من طلاق السنة، ورسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير أنه يتبعها. وروي عن ابن القاسم أنه لا يتبعها. والفرق بين المسألتين أن النفقة قد كانت في الأصل واجبة على الأب المنفق، والصداق لم يكن في الأصل واجبا على الابن، لحمل أبيه إياه عنه في أصل العقد. وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فتزوجها:

قال أصبغ: قلت لأشهب: فالرجل يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فتزوجها، فتطلق باليمين، أيكون لها نصف الصداق؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه إذا تزوجها وسمى لها في أصل العقد صداقا، قال: لها نصف الصداق؛ لأنها مطلقة قبل الدخول. وقد قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية، ولو لم يسم لها في أصل العقد صداقا لم يجب لها شيء، إلا أن يدخل بها، فيجب لها صداق مثلها. واختلف إذا سمّى لها في أصل العقد صداقا فدخل بها، فقيل: لها صداق كامل، وهو قول مالك. وقيل: لها صداق ونصف، وهو قول أهل العراق. قال ابن نافع: وهو في القياس حسن، يريد لأن الطلاق لزمه قبل الدخول، فوجب عليه بذلك نصف الصداق، ثم لما دخل بها بعد ذلك وهي بائنة منه، يرى أنها زوجته لم تبن منه، لزمه بالدخول صداق كامل، فكان عليه صداق ونصف، وعلى هذا القياس يأتي ما في كتاب النكاح الثاني من المدونة، وفي الأختين يتزوجهما أخوان فتدخل امرأة كل واحد منهما على صاحبه أنه ترد امرأة كل واحد منهما إليه، فيكون على كل واحد منهما صداقان: صداق لزوجته، وصداق للتي دخل بها وهو يرى أنها زوجته وبالله التوفيق.

.مسألة رجل تزوج إلى قوم بصداق مسمى وأهدى هدية وأشهد في السر:

وسألته: عن رجل تزوج إلى قوم بصداق مسمى، ومن سنة البلد أن يهدي الرجل إلى امرأته هدية تطيب بذلك نفسها، ويُسر بذلك أهلها، فأعد الرجل هدية، وأشهد في السر أن هذا الذي أرسل ليس هو هدية، وإنما هو عارية منه أو متعة، إلى حين القيام في استرجاعها وأخذها منها، وإنما فعلتُ هذا الآن وبعثت به إليها لأطيب به نفسها، ومن كان منها فأرسل إليها وامرأته ترى ويرى أهلها أنها هدية على حال ما يصنع غيره، فقبلوها وهم يرون أنها هدية إليهم، فقام بعد ذلك يطلبها إليهم، فقال: أختانه وامرأته بعد البناء أو قبل البناء لا ندفع إليك شيئا؛ لأنا لم نقبله منك إلا على هدية على حال ما يهدي الناس إلى أزواجهم. ولو علمنا ما تذكر حقا لم نقبله منك. قيل: أترى لما طلب وجها؟ قال سحنون: إن كان قد أشهد بذلك في السر ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية، ثم امتهنوا ذلك على غير علم، فليس عليهم في امتهانهم شيء، وهو يأخذ ما وجد بعينيه، وإن ضاع منها شيء لزمهم ذلك، إلا أن تكون لهم بينة على الذهاب. وقال أبو زيد بن أبي الغمر مثله.
قال محمد بن رشد: قول سحنون في هذه المسألة: ومن سنة أهل البلد وشأنهم، يريد من عادة أهل البلد وما استمر عليه فعلهم. وقوله: إن كان قد أشهد بذلك في السر، ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية، كلام فيه إشكال، كيف يصح أن يعلمهم بأنه منهم هدية وهو لم يرد به الهدية؟ فمعنى قوله: إن كان أشهد بذلك في السر ولم يقل لهم في العلانية إنه منه إليهم هدية نفعه الاستشهاد، وكان له أن يأخذ متاعه، ولم يكن عليهم مما امتهنوا منه على غير علم شيء، يريد إن كانوا امتهنوا ذلك امتهانا لا تمتهن العواري. وأما إن كانوا امتهنوا ذلك كما تمتهن العواري فلا شيء عليهم امتهنوا ذلك على علم أو على غير علم. وأما قوله: وإن ضاع منها شيء لزمهم إلا أن تكون له بينة على الذهاب، فوجهه أنه أعمل إشهاده في السر، فحكم لها بحكم العارية في الضمان كما حكم لها بحكمها في الاسترجاع. وقول ابن القاسم في رسم النكاح من سماع أصبغ، إنه لا ضمان عليها إذا لم تقبل ذلك على وجه العارية أصح في القياس والنظر، إذ ليس له أن يلزمهم ضمان ما لم يلتزموا ضمانه وحبسه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه. ولو قال لهم في العلانية إنه منه إليهم هدية، لم ينفعه الإشهاد في السر، بدليل قوله: ولم يعلمهم بأنه منه إليهم هدية. وجوابه في هذه المسألة على القول بأنه لا يقضى بالعرف في الهدية. وقد مضى اختلاف قول مالك في ذلك، والقول فيه في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم. وأما على القول بأنه يقضى فلا ينتفع بالإشهاد في السر في ذلك إذ ليس له أن يبطل بإشهاده حقا واجبا عليه وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يهب جاريته النصرانية لعبده المسلم:

وقال: لا بأس أن يهب الرجل جاريته النصرانية لعبده المسلم، إذا كان ذلك مما يصلح في خدمتها، ويريد بذلك أن يولد للعبد منها.
قال محمد بن رشد: لا فرق في هذا بين المسلمة والنصرانية؛ لأن المسلم يجوز له ملك النصرانية، كما يجوز له ملك المسلمة، سواء، فإذا كان العبد ممن يشبه أن يملك مثل ملك الجارية وكانت هبة صحيحة مستقيمة، قصد بذلك تمليكه إياها، لا عارية فرجها له، جاز ذلك على ما مضى في رسم باع غلاما في سماع ابن القاسم، ورسم الطلاق الثاني من سماع أشهب وبالله التوفيق.

.مسألة الأمة يزوجها سيدها بصداق هل يحق له أن ينتزع منها صداقها:

وعن الأمة يزوجها سيدها بصداق فزعم ابن القاسم أن للسيد أن ينتزع منها صداقها ولا أرى ذلك، يريد ليس له أن يأخذه منها. ألا ترى أن من قول مالك في الحرة تريد أن تقضي دينا من صداقها أن ذلك لا يكون لها، إلا الشيء اليسير وكذلك الأمة.
قال محمد بن رشد: لمالك في كتاب الرهون من المدونة مثل قول سحنون ها هنا. ودليل قول ابن القاسم في كتاب النكاح الثاني منها مثل قوله ها هنا: إن له أخذ مهرها، كما له أخذ مالها. ولبكير بن الأشج فيه أن له أخذه إلا ما يستحل به فرجها. وقال ابن حبيب: إنه يلزمه أن يجهزها منه إلى زوجها بما يجهز به مثلها، فيتحصل في المسألة أربعة أقوال، أجراها على المذهب قول مالك، وأصحها في القياس والنظر قول ابن القاسم، وقول بكير وابن حبيب استحسان وبالله التوفيق.